يُعد الجرتق السوداني من أبرز الطقوس التقليدية المرتبطة بالزواج في السودان، حيث يجمع بين الرمزية الروحية والممارسات الاجتماعية، ليعكس مزيجاً فريداً من الموروث الثقافي والتاريخي. لا يقتصر الجرتق على كونه مظهراً احتفالياً، بل يُنظر إليه باعتباره وسيلة لجلب الفأل الحسن والخصوبة وحماية العروسين من العين والحسد والأرواح الشريرة، وهو ما يمنحه مكانة خاصة في الوجدان الشعبي.
الجذور والمعاني الرمزية
تعود بعض مكونات الجرتق إلى عادات قديمة لها صلة بالأصول الفرعونية، ما يجعله طقساً ضارباً في عمق التاريخ. يُعتقد أن اللون الأحمر الذي يطغى على الملابس والديكور يرمز إلى بداية جديدة وحياة ملؤها الحظ السعيد. كما تحمل الأدوات المستخدمة فيه معاني متعددة: الحريرة الحمراء رمز للترابط، الهلال الذهبي إشارة للنور والبركة، أما الضريرة — وهي مادة عطرية تُصنع من الحبوب — فترمز للطهارة والحماية.
مكونات طقس الجرتق
يتضمن الجرتق مجموعة من الأدوات والرموز، أبرزها:
صينية الجرتق التي تضم العطور والرموز التقليدية.
البخور مثل الصندل والعود لخلق أجواء روحانية محببة.
الأدوات التراثية كالسيف والسوط وسبحة المرجان وقطع جريد النخل.
الملابس التي يغلب عليها اللون الأحمر، حيث ترتدي العروس فركة القرمصيص لتغطي رأسها ووجهها.
هذه العناصر مجتمعة تمنح الطقس جمالية خاصة وتضفي عليه طابعاً احتفالياً يثير الحماس والبهجة.
طقوس الجرتق
يبدأ الجرتق بتزيين المكان باللون الأحمر، ثم يستقدم العريس العروسة وهي تغطي وجهها بالقرمصيص، ويقودها العريس إلى مجلسهما ويكشف وجهها وسط الزغاريد إلى يجلسا في مجلس مخصص ومزين بالفروشات التراثية.
ثم تبدأ مراسم يقوم بها كبار الأسرة بوضع الضريرة على رأس العروسين وإشعال البخور. يتبع ذلك طقس بخ اللبن، حيث يشرب العروسان قليلاً من اللبن ثم يرش كل منهما شريكه، في إشارة إلى الصفاء والبركة.
ومن الطقوس الأخرى:
قطع الرحط: حيث يقطع العريس حريرة مربوطة عند خصر العروس ويرمي الثمار على الحضور.
رش وتشتيت الحبوب: للتفاؤل بالخير والخصوبة.
الأغاني والرقص: إذ تُغنى أغاني شعبية خاصة بالجرتق بمصاحبة الدلوكة، لتكتمل الأجواء الاحتفالية.
لوحة روحية، اجتماعية وثقافية
لا يُعتبر الجرتق مجرد احتفال فردي بين عروسين، بل هو جرعة مكثفة من التفاؤل والاستبشار بالحياة الجديدة للعروسين ومناسبة اجتماعية تُعزز الترابط الأسري والمجتمعي. إذ يشارك فيه الأهل والجيران والأصدقاء، رجالاً ونساءً، مما يجعله لوحة متكاملة من الرموز والعادات التي تعكس فلسفة المجتمع في السعادة والخصوبة والحماية. وبين البخور والحريرة والأغاني الشعبية، يستمر هذا الطقس في بث الفرح وإحياء الموروث، ليبقى جزءاً حياً من الثقافة السودانية المعاصرة.
مقال ذو صلة: فعالية الجرتق ورقيص العروس






